أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

اخر التدوينات

الجزء الثالث: خيانة في قلب قلعة صلاح الدين

تكملة سلسلة نضال الدمشقي وصلاح الدين الأيوبي



مرت سنوات قليلة على نجاح نضال الدمشقي في استعادة الرسالة المفقودة، وأصبح اسمه معروفًا في ديوان صلاح الدين بأنه أمين أسرار الدولة، وصاحب أكثر المهمات دقة في زمن مضطرب تتغير فيه موازين القوى باستمرار.

لكن ما لم يكن نضال يعرفه هو أنّ السنوات القادمة ستحمل له أصعب اختبار في حياته… اختبارًا لا يتعلق برسالة أو رحلة، بل يتعلق بـ الخيانة التي تسللت داخل القلعة نفسها.


البداية: رياح مشؤومة تهب على دمشق

في إحدى أمسيات الشتاء القارس، convened اجتماع عاجل داخل ديوان القلعة.
كان صلاح الدين غاضبًا بطريقة لم يرها نضال من قبل، فقد وردته معلومات بأن خطة تحرك الجيش الأيوبي باتت معروفة لعدو مجهول.

كان هذا يعني شيئًا واحدًا فقط:
هناك خائن داخل الديوان.

قال صلاح الدين بحزم:
"لم يعد الأمر يتعلق برسالة واحدة… لدينا من يسرّب أسرار الدولة. يجب أن نعرف من هو قبل أن نخسر ما هو أعظم."

نظر كبير الكتّاب إلى نضال، وقال بصوت خافت:
"هذه المرة… التحقيق لك وحدك."


مهمة مختلفة تمامًا

لم يكن على نضال هذه المرة أن يسافر بين الجبال أو يهرب من الفرسان، بل كان عليه أن يراقب زملاءه وأصدقاءه داخل القلعة.

كان هذا أثقل على قلبه من أي رحلة خطرة… فكيف يتجسس على من شاركوه الخبز والسرّ والليل الطويل في نسخ الوثائق؟

بدأ نضال عمله بصمت.
راح يراقب حركة الرسائل، ويتفحص الأختام، ويتتبع طرق انتقال المعلومات.
ولاحظ نمطًا غريبًا:
كل التسريبات تتعلق بصفحات معينة تُكتب دائمًا في الغرفة الشرقية من الديوان.

ومن بين كتّاب تلك الغرفة رجل جديد انضم قبل أشهر فقط… رجل يدعى رَشَدان.


رشدان… الكاتب المثالي؟

كان رشدان لطيفًا، مهذبًا، حسن الخط، ويبدو دائمًا على استعداد للمساعدة.
لكن شيئًا في تصرفاته لم يطمئن نضال.

ففي أحد الليالي، دخل نضال الديوان متأخرًا.
فوجئ بأن ضوء الغرفة الشرقية ما يزال مشتعلًا.
اقترب ببطء، فرأى رشدان ينسخ نصًا بخط يده، ثم يضع الورقة داخل لفافة صغيرة ويخفيها في جوربه.

تجمد نضال في مكانه…
كانت الأدلة أمامه واضحة، لكن الإمساك بالخائن يحتاج إلى حيلة لا تترك له فرصة للإنكار.


الخطة: رسالة مصيدة

فكّر نضال طويلًا، ثم قرر كتابة رسالة مزيفة تحمل معلومات غير حقيقية لكنها تبدو مهمة.
كانت تتعلق بتحرك قوات صلاح الدين نحو موقع عسكري وهمي.

أظهر نضال الرسالة في الديوان أمام الجميع، ثم تركها على مكتبه متعمدًا قبل أن يغادر.

اختبأ في ممر صغير يطل على الغرفة الشرقية…
وبعد نصف ساعة فقط، ظهر رشدان.
اقترب من مكتب نضال، نظر حوله، ثم أخذ الرسالة بسرعة ووضعها في جيبه.

لقد وقع في الفخ.


القبض على الخائن

تابع نضال رشدان سرًا حتى خرج من القلعة واتجه نحو خان صغير خارج دمشق.
هناك، كان ينتظر رجل أجنبي يرتدي عباءة داكنة.
اقترب رشدان منه وسلمه الرسالة.

في تلك اللحظة، خرج جنود صلاح الدين من الظلام، بعد أن وضعهم نضال في المكان مسبقًا.
أمسكوا بالرجلين، وحين فُتشت ملابس رشدان، وجدوا عشرات الأوراق المسروقة من الديوان.

قال رشدان وهو يرتجف:
"كنت مجبرًا… هدّدوا عائلتي… لم يكن أمامي خيار…"

لكن نضال لم يندفع نحوه بالغضب، بل شعر بحزن عميق.
الخيانة ليست دائمًا طمعًا… أحيانًا يولدها الخوف.


عودة إلى صلاح الدين

عندما عاد نضال إلى القلعة ومعه الأدلة، نظر إليه صلاح الدين بشيء من الفخر والحزن في آنٍ واحد.
قال السلطان:

"لقد أنقذت الدولة مرة أخرى… ولكن أصعب الخيانات هي تلك التي تأتي من الداخل."

اقترب منه وأضاف:
"أنت يا نضال لا تحمل القلم فقط، بل تحمل بصيرة لا يملكها الكثيرون."

ثم أمر بترقية نضال إلى منصب "رئيس ديوان الرسائل"، وهو منصب لم يُمنح سوى لقلة قليلة في تاريخ الدولة.


الخاتمة: درس من قلب التاريخ

أدرك نضال أن المعارك لا تُخاض دائمًا على ظهور الخيل.
أحيانًا تُخاض في القلوب، في الاختيار بين الخوف والواجب، بين الخيانة والأمانة.

ظلّت قصة “خيانة القلعة” من القصص التي لا تُروى كثيرًا في كتب التاريخ، لكنها بقيت في ذاكرة الديوان، شاهدة على أن الأمانة قد تغيّر مسار أمة كاملة.

تعليقات