فم الظلال
ارتفع صدى الدوامة السوداء فوق رأس سامر، كأن المنزل انقلب إلى مخلوق حيّ يستعد لابتلاع كل شيء. الأصوات المحبوسة عبر السنين كانت تدور حوله، تصرخ، تستغيث، تضحك… وكلها تتجه نحوه.
لم يكن أمامه سوى أن يركض.
اندفع خارج القبو، يتعثر في العتمة، بينما يهتز البيت تحت قدميه. الجدران تصدر صوتاً كاحتكاك العظام، رغم أن المنزل كان معروفاً بأنه لا يسمح لأي صوت بالصدور… لكن الآن، بدا كأن القوانين تغيّرت.
صعد الدرج بخطوات متلاحقة، بينما الظلال تتكاثر على الجدران، تنسلّ من بين الشقوق ككائنات بلا ملامح. ومع كل خطوة، كانت واحدة منها تحاول الإمساك بساقه أو ثيابه، لكنّه كان يتحرر بشقّ الأنفس.
عندما وصل إلى الردهة، وجد المرآة في مكانها… ولكنها لم تكن مجرد مرآة.
كانت مفتوحة، كأنها بوابة من زجاج حيّ، تتدفق منها يد ليلى، مشوهة قليلاً، لكنها حقيقية. كانت تمد يدها نحوه، تصرخ صرخة صامتة.
— "ليلى! تمسّكي!"
مدّ يده نحوها، لكن شيئاً آخر خرج من المرآة — يد سوداء ضخمة، أطول من يد الإنسان بثلاث مرات، تحمل ملامح دخان كثيف.
أمسكت يد الظلّ بيد ليلى، وجذبتها إلى الخلف، فتلاشى وجهها إلى داخل الظلام.
صرخ سامر:
— "لاااا!"
لكن صرخته لم تخرج. منزله سلب صوته أيضاً.
وفجأة…
ظهر الظلّ الأسود الذي قابله في القبو، يقف بينه وبين المرآة، ممدداً ذراعيه، وكأنه يحميه.
رفع يده ببطء، وأشار إلى الجدار حيث كُتبت جملة جديدة لم تكن هناك قبل قليل:
"لا صوت… لا موت."
ثم التفت إلى سامر، وصدر منه صوت باهت:
"اسمعني… للمرة الأخيرة."
اقترب سامر دون إرادة.
قال الظلّ:
"المنزل لا يريدك أنت… يريد صوتك. يريد أن يكمل به صدى صرخته الكبرى."
أشار نحو الدوامة في السقف:
"ذلك ليس باباً… بل معدة. كل من صرخ… ابتُلِع."
ارتجف سامر.
فهم الآن لماذا اختفت ليلى.
ولماذا اختفى كل من سبقها.
الظلّ أكمل:
"أنا كنت مثلك… رجلاً عادياً جاء يبحث. لكنني لم أهرب في الوقت المناسب."
ثم كشف ببطء عن جزء من جسده… كان شفافاً، كأنه دخان بشري.
"المنزل يمنح ظلّاً لكل ضحية… لكنه يبقي الروح حبيسة."
ارتجّ المكان.
الدوامة في السقف بدأت تهبط ببطء، تبحث عن صوت جديد.
الظلّ وضع يده على كتف سامر:
"استمع… أنت الوحيد الذي صوته لم يُبتلع بعد. تستطيع أن تنهي هذا."
فتح سامر فمه بصعوبة، وقال:
— "كيف…؟"
ارتفع همس الظلّ:
"اصرخ."
شهق سامر:
— "لكن الصراخ يجذب الدوامة!"
— "هذا صحيح… ولكنه يجذبها إليك. وحين تأتي… اكسر المرآة."
تجمّد سامر.
هل يكسر البوابة التي سُجنت فيها ليلى؟
هل سيضحي بها؟
لكن الظلّ أكمل:
"كسر المرآة لا يقتلها… بل يحرر من بداخلها."
ارتجّ المنزل مرة أخرى، وبدأت الظلال تتحرك نحو سامر.
كان عليه أن يقرر الآن.
جمع أنفاسه… وصرخ.
صرخ بكل ما يملك.
المنزل اهتز، الجدران تشققت، الظلال تجمعت حوله كدوامة أصغر.
الدوامة الكبرى فوق السقف انخفضت بسرعة، تتجه مباشرة نحو صوته.
الظلّ دفع سامر نحو المرآة، وصاح:
"الآن! اكسرها!"
أمسك سامر بقطعة خشب كانت بجانبه، وضرب المرآة بكل قوته.
تحطّم الزجاج إلى آلاف الشظايا.
انفجرت دائرة من الضوء الأسود، وصدر صوت يشبه صرخات مئة شخص دفعة واحدة.
اختفت الظلال كأنها دخان في مهب الريح.
وتلاشت الدوامة تماماً.
سقط سامر على الأرض يتنفس بصعوبة.
وعندما رفع رأسه… وجد ليلى ممددة على الأرض خلفه، تتنفس بصعوبة، لكن حقيقية… وحيّة.
أما الظلّ… فقد كان يختفي ببطء، كأنه يودّع.
قال بصوت متحشرج:
"لقد… حررتنا جميعاً."
ثم تبخر مثل غبار أسود يتلاشى في الضوء.
نهض سامر بصعوبة… شعر بأن المنزل صار فارغاً تماماً.
لا أصوات مخفية… لا ظلال…
فقط صمت طبيعي.
أمسك بيد ليلى، وخرجا من المنزل الذي تحوّل إلى أنقاض من الداخل.
وعندما ابتعدا قليلاً، التفت سامر إلى الخلف…
رأى شيئاً غريباً:
كل نوافذ المنزل كانت مكسورة… إلا نافذة واحدة.
وكان خلفها… ظلّ صغير يتحرك ببطء، ثم يبتسم.
انطفأت النافذة فجأة… كأن أحداً أغلق ستارة من الداخل.
والى هنا تنتهى القصه تابعونا للمزيد من القصص المشوقه .