الجزء الاول.
كانت ليلى تعمل صحفية متخصّصة في التحقيقات الغريبة، ولم تكن تخشى الدخول في أي مكان مهجور طالما كان يحمل قصة تستحق النشر. لكنها هذه المرة تلقت رسالة مجهولة مضمونها:
"إن كنتِ تبحثين عن حقيقة… فادخلي المنزل رقم 7 في شارع المنحدر الأسود. لكن تذكّري… لا ترددي أي صوت داخله."
ظنّت الرسالة مزحة ثقيلة، لكن الفضول غلبها. وفي مساءٍ ضبابي، توجهت إلى المكان. كان المنزل قصراً عتيقاً بأبواب خشبية متآكلة، ونوافذ مكسورة كأن شيئاً ما خرج منها لا دخل إليها.
دفعت الباب ببطء… لم يصرخ الخشب كما توقعت، بل انفتح بسكون مطبق، وكأن المنزل يبتلع الأصوات بالفعل.
دخلت وهي تحمل مصباحها اليدوي، فلاحظت شيئاً مريباً:
خطواتها لا تصدر أي صوت!
حتى تنفّسها بدا مكتوماً كأن الهواء نفسه يخشى الحركة.
في وسط الردهة، وجدت مرآة طويلة ذات إطار ذهبي باهت. كانت تعلم أن النظر في المرايا داخل البيوت المهجورة فكرة سيئة… لكنها لم تستطع مقاومة الانجذاب. تقدّمت بضع خطوات، ثم رأت انعكاسها… لكن شيئاً لم يكن صحيحاً.
انعكاسها تأخر ثانية كاملة قبل أن يتحرك.
تراجعت مذعورة، لكن الصورة في المرآة لم تتراجع، بل بقيت تحدّق فيها بعينين متّسعتين، ثم ابتسمت ابتسامة مشقوقة لا تشبه ابتسامتها مطلقاً.
وخلف الصورة… ظهر ظل أسود طويل يتحرّك ببطء، وكأن المرآة باب لا يعكس بقدر ما يكشف.
انطفأ المصباح فجأة.
سقطت ليلى على الأرض تتلمّس طريقها، فأحست بأنفاس باردة تقترب من أذنها، وصوتاً هامساً يخرج من الظلام:
"لا تُصدرِي… أي… صوت."
لكنها لم تستطع السيطرة على نفسها، فصرخت صرخة قصيرة ارتد صداها داخل الجدران… ثم انقطع كأن أحداً التهمه قبل أن يكتمل.
في تلك اللحظة… شعرت بأيدٍ باردة تمسك كاحليها وتسحبها إلى الخلف. حاولت التشبث بالأرض، لكنها لم تسمع حتى احتكاك أظافرها بالأرضية.
كل شيء صامت… صامت بشكل غير طبيعي.
رأت الردهة تبتعد، وظهرها ينجرّ عبر الأرض، حتى وصلت إلى المرآة التي بدأت تتوهّج مثل سطح من الماء الأسود.
انعكاسها اقترب منها، ثم مدّ ذراعيه إلى خارج المرآة وكأنه يخرج ليحلّ مكانها.
في اللحظة الأخيرة، حاولت ليلى الصراخ مرة أخرى… لكنها اكتشفت أنها فقدت صوتها بالكامل.
أُسحبت داخل المرآة، واختفى كل شيء.
وفي اليوم التالي، وصل رجال الشرطة إلى المنزل بعد بلاغ عن صراخ امرأة. بحثوا طويلاً، ولم يجدوا أحداً…
لكنهم لاحظوا المرآة الطويلة على الجدار، وبداخلها ظلّ امرأة تتحرك ببطء، وكأنها تحاول طرق الزجاج بصوت لا يسمعه أحد يتبع ...