الجزء الأول: البداية المشؤومة
كانت السماء غائمة بشدة، والرياح تعصف بالأشجار على جانبي الطريق الجبلي الضيق. المطر لم يتوقف منذ ساعات، والبرق يضيء السماء بين الحين والآخر، كأنه يرقص على وقع الرعد. سامر، شاب في الثلاثين من عمره، كان يقود سيارته وحده، متوجهاً إلى كوخ صديقه القديم في أعالي الجبال، بعد تلقيه رسالة غامضة:
"إذا أردت الحقيقة، تعال وحدك إلى المكان الذي بدأ فيه كل شيء."
لم يكن سامر متأكداً من معنى الرسالة، لكنها أثارت فضوله، وقراره بالمجيء كان مدفوعاً بمزيج من القلق والتحدي. خلال الطريق، كان يشعر وكأن شيئًا ما يراقبه، فالظلام يختبئ وراء المطر الكثيف، وأصوات الرياح كانت تشبه همسات غامضة.
عندما وصل أخيراً، كان الكوخ مظلماً، والباب الأمامي مفتوحاً جزئياً. الهواء البارد دخل فجأة، وكأن المكان يتنفس على طبيعته الخاصة. رفع سامر يده لتدفع الباب أكثر، وشعر بارتعاشة تسري في جسده، لكنه تذكر الرسالة وقرر الدخول.
الجزء الثاني: الظلال والأصوات
الكوخ كان مهجوراً منذ سنوات، أو هكذا بدا. الأرضية مغطاة بالغبار، والأثاث قديم ومكسور. فجأة، انقطع التيار الكهربائي، وغرق المكان في ظلام دامس. أصوات الرياح الخارجية تعالت، لكنها لم تكن أكثر رعباً من صوت خشخشة خفيفة بدا قادماً من الطابق العلوي.
ارتجف سامر، لكن فضوله كان أقوى من خوفه. صعد الدرج بحذر، وكل خطوة تصدر صوتاً قوياً في صمت المكان. عندما وصل إلى الطابق العلوي، وجد غرفة صغيرة، والدهشة أصابته. على الطاولة كانت مجموعة من الصور القديمة، كل واحدة تُظهر وجوه أشخاص يعرفهم، وبعضها مكتوب عليها تاريخ اليوم الحالي.
سمر لم يفهم كيف يمكن أن يكون التاريخ اليوم مرتبطاً بالصور؟ فجأة، شعر بشيء يلمس كتفه من الخلف. التفت بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد. كان المكان ساكناً، والكوخ يبدو كأنه يعيش حياة خاصة به، تتلاعب بعقله.
الجزء الثالث: كشف الأسرار
بينما سامر يتفقد الغرفة، لاحظ درجاً صغيراً مغلقاً جزئياً. دفعه ببطء، ووجد بداخله دفترًا قديمًا، مليئًا بالملاحظات والرسومات الغريبة. كان الدفتر يروي أحداثاً غامضة، حوادث اختفاء، وحقائق لم يسمع بها من قبل.
بدأت الأصوات تتغير، من همسات بعيدة إلى صرخات خافتة. الأبواب تغلق وتفتح من تلقاء نفسها، والأضواء تومض بشكل متقطع. قلب سامر كان ينبض بسرعة، وعقله يتصارع بين الخوف والفضول.
ثم لاحظ شيئًا آخر: الصور على الطاولة لم تكن ثابتة، بل تتغير ببطء، وكأن وجوه الأشخاص تتحدث إليه بطريقة غامضة، تعكس الخوف والألم والذكريات المكبوتة.
الجزء الرابع: المواجهة
مع تصاعد الأحداث، قرر سامر النزول إلى الطابق الأرضي لمحاولة فهم ما يحدث. لكن فجأة، سمع صوت خطوات خلفه. أسرع نحو الباب الأمامي، لكنه وجد نفسه محاصراً بالظلال المتحركة على الجدران، كأن الكوخ يحاول منعه من الهروب.
الرسالة الغامضة عادت إلى ذهنه: "الحقيقة ليست في ما ترى بعينيك، بل في ما تخاف أن تعرفه."
فهم سامر أن المكان يعكس داخله، كل مخاوفه وأسراره، وكل لحظة خوف عاشها. كل ظلال كانت جزءاً من عقله، من ذكرياته المؤلمة، ومن الأسرار التي لم يجرؤ على مواجهتها سابقاً.
جلس سامر على الأرض، محاولاً تهدئة نفسه، وأخذ نفسًا عميقًا. بدأ يتذكر الأحداث التي دفنها في قلبه: فقدان صديقه في حادث سيارة قبل سنوات، قراراته الخاطئة التي كادت تدمر حياته، الخيانات التي شهدها في الماضي.
كل شيء أصبح واضحًا، وأنفاسه بدأت تهدأ تدريجيًا. الظلال اختفت، والأصوات تلاشت. الكوخ عاد إلى صمته القديم، وكأنه لم يكن له وجود سوى كاختبار لقدرته على مواجهة نفسه.
الجزء الخامس: النهاية والهدوء
خرج سامر من الكوخ، المطر يغسل وجهه، والرياح كانت أقل حدة. شعر لأول مرة منذ بداية الليل بحرية غريبة، كأن عبئاً ثقيلاً قد زال عن صدره. لم يكن مجرد خوف من الظلام أو العاصفة، بل كان مواجهة حقيقية لماضيه، لمخاوفه الداخلية، ولحظات ضعفه التي حاول إخفاءها طوال حياته.
نظر إلى السماء، حيث بدأت الغيوم تتلاشى، والنجوم تظهر من بعيد. عرف أن العاصفة الحقيقية لم تكن في الخارج، بل في داخله، وأنه الآن استطاع النجاة ليس فقط من الظلام والكوخ الغامض، بل من الظلال التي كان يحملها بداخله طوال حياته.
سار سامر على الطريق الجبلي، مبتعداً عن الكوخ، مستعدًا لمواجهة الحياة بجرأة أكبر، وعقله مشرق بالأمل، مدركًا أن كل ما نمر به من تجارب صعبة، مهما كانت مرعبة، يمكن أن يكشف لنا قوتنا الحقيقية.